لطالما اقترن مفهوم الصحة باتباع عادات يومية مثل شرب الماء بكثرة والالتزام بروتين محدد، لكن النهج الكوري يقدم منظورًا مختلفًا؛ يركز على الاستماع إلى الجسم بدلًا من إرهاقه.
في المركز الطبي الكوري في مدينة لوسيل، يدمج الأطباء بين فلسفة الطب الكوري التقليدي التي تمتدّ جذورها لمئات السنين وأحدث الأساليب العلاجية المعتمدة عالميًا والهدف هو تقديم تجربة رعاية صحية فريدة تركز على التوازن والوقاية، لمواكبة إيقاع الحياة السريع دون إرهاق.
يستمد الطب الكوري نهجه من فلسفة ترى الصحة كتوازن بين الجسد والمشاعر والبيئة، ولا يقتصر على علاج الأعراض بعد ظهورها، بل يركز على الوقاية قبل حدوث الخلل. فبدلاً من انتظار المشكلات الصحية، يوجهنا هذا النهج إلى فهم احتياجات الجسم والتفاعل معها في الوقت المناسب، مما يعزز الوقاية ويقلل الحاجة إلى التدخل العلاجي. إنه أسلوب يعتمد على الاستماع إلى إشارات الجسد والاستجابة لها بوعي، بدلاً من مقاومتها.
بمناسبة اليوم العالمي للصحة، يدعونا الطب الكوري لإعادة التفكير في حقيقة التمتع بصحة جيدة. في وقت تتجه فيه الرعاية الطبية إلى السرعة والاستجابة السريعة، يركّز الطب الكوري على الوقاية الواعية والحفاظ على التوازن على المدى الطويل. الأمر لا يتعلّق بالانتظار حتى تظهر الأعراض، بل بتعلم كيفية العناية بالجسم قبل أن يحتاج للتدخل الطبي. بهذا الشكل، تتحوّل الرعاية من مجرد رد فعل إلى طريقة حقيقية لتمكين صحتنا.
اليك ثمانية مبادئ صحية كورية يوصي بها خبراء المركز الطبي الكوري، لاستعادة التوازن الداخلي بعيدًا عن الضغوط، وبمزيد من الخيارات الممكنة.
في المفهوم الكوري، تعكس كلمة "كونغانغ" معنى الصحة كمنظومة متكاملة من الانسجام الداخلي، بحيث تتوازن العوامل الجسدية والعاطفية والبيئية في إيقاع صحّي متكامل. ويعتمد هذا المفهوم على رؤية علاجية شمولية يتّبعها المركز الطبي الكوري، بحيث لا تقتصر الرعاية على معالجة الأعراض، بل تهدف إلى تمكين كل مريض من استعادة توازنه الخاص، من خلال إطار وقائي وعلاجي مصمَّم بعناية ليتماشى مع حالته الفردية.
توضّح الدكتورة سونغمين كاثي لي، وهي طبيبة معتمدة من مجلس الطب الكوري في المركز الطبي الكوري وأخصائية وخز بالإبر مرخّصة، أنّ جوهر الطب الكوري يقوم على احترام الإيقاع الطبيعي للجسم وقدراته الفسيولوجية. وتقول: "تُبنى الصحة الحقيقية على تحقيق التوازن بين الجسم والعقل والبيئة المحيطة. فنحن لا نقتصر في نهجنا على معالجة الأعراض فحسب، بل نركّز على دعم قدرة الجسم الطبيعية على التشافي."
يُشكّل هانبانغ، وهو الطبّ الكوري التقليدي القائم على الأعشاب، أحد الركائز الأساسية في نموذج الرعاية الشاملة الذي يعتمده المركز الطبي الكوري. وبدلاً من اعتماد وصفات جاهزة أو موحّدة، يُخصّص خبراء المركز التركيبات العشبية بناءً على تشخيص دقيق يُراعي البنية الفردية وخصائص الطاقة لدى الجسم والأعراض الراهنة لكلّ مريض.
يعمل طب الأعشاب الكوري بتناغم تامّ مع أجهزة الجسم ووظائفه الحيوية، إذ تعتمد التركيبات العلاجية على مكوّنات طبيعية مثل الجينسنغ وجذر الأنجيليكا وعرق السوس، بهدف دعم عملية الهضم وتنظيم الجهاز المناعي والتقليل من الاستجابات الالتهابية. وتُعالج كل تركيبة مشاكل الجسم من جذورها، ما يؤدي إلى تحولات تدريجية وفعّالة على مستوى الطاقة الذهنية والنقاء الجسدي والقدرة على التحمل.
وعلى خلاف الأدوية الاصطناعية التي تستهدف الأعراض بشكل موضعي، يعمل الطب الكوري التقليدي هانبانغ على استعادة التوازن في الأنظمة المتكاملة التي تتحكّم بالطاقة والحيوية على المدى البعيد.
تعيد تقنيات الوخز بالإبر الكورية تفعيل الذكاء الشفائي الفطري في الجسم، إذ تتميّز بدقتها العالية وطابعها غير الجراحي ونهجها العلاجي الشامل. ويعتمد ممارسو الطب الكوري في المركز الطبي الكوري على هذه التقنية لتنظيم الاضطرابات الهرمونية وتعزيز جودة النوم وتخفيف الآلام ودعم الصحة النفسية والعاطفية.
تستهدف هذه التقنية العلاجية القديمة نقاط الميريديان المرتبطة بأنظمة الأعضاء والحالات العاطفية وقد أثبتت الأبحاث الحديثة فعاليتها، إذ تُسهم في تهدئة الجهاز العصبي وتعزيز الدورة الدموية ودعم التوازن في إفراز النواقل العصبية.
وغالبًا ما يصف المرضى شعورهم بعد الجلسات المنتظمة بصفاء ذهني وارتخاء جسدي، أشبه بحالة إعادة تنظيم داخلية للجسم. فالعلاج بالوخز بالإبر لا يقتصر على الاستجابة للألم، بل يُعدّ من الأدوات المحورية في استعادة التوازن الداخلي قبل تفاقم الحالة المرضيّة.
تُعدّ الحجامة، أو البو-هانغ، إحدى ركائز الطب الكوري التقليدي وتُستخدم لتحفيز الدورة الدموية وتعزيز عمليات إزالة السموم من الجسم. ومن خلال إحداث شفط موضعي، تُساعد هذه التقنية في علاج التشنج العضلي وتحسين تدفّق الدم في الأنسجة المتأثرة، ما يُسهم في استعادة التوازن الحيوي على نحو تدريجي وفعّال.
في المركز الطبي الكوري، تُستخدم الحجامة لدعم التعافي من الإجهاد والالتهابات والضغوط الجسدية. وخلال الجلسات، قد تظهر آثار دائرية مؤقتة على سطح الجلد، وهي دلالة على تحفيز تدفّق الدم وتحرير المناطق التي كانت تعاني تشنجًا عضليًا. وغالبًا ما ينتاب المريض بعد الجلسة شعورًا واضحًا بالارتياح ويستعيد حيويته.
وقد أثبتت الدراسات أنّ الحجامة تحسّن الدورة الدموية وتُخفّض مؤشّرات الالتهاب الجهازي. وفي الطب الكوري، تُعدّ من الركائز العلاجية المهمة لإعادة توازن الجسم بعد التعرّض لإجهاد جسدي أو انفعالي مُفرط.
يرتكز النظام الغذائي الكوري التقليدي على تحقيق التوازن في الجسم وتعزيز صحّة الجهاز الهضمي. وتُبنى الوجبات على مكوّنات موسمية تشمل الخضراوات الطازجة والأطعمة المخمّرة والحبوب الغنية بالألياف ومصادر البروتين النقيّة. ويسهم هذا النمط الغذائي في تعزيز تنوّع البكتيريا النافعة في الجهاز الهضمي، وهو عامل بات يُعرف اليوم بدوره المحوري في دعم جهاز المناعة وتحسين الحالة المزاجية وتعزيز الوظائف الإدراكية.
ويُعدّ الكيمتشي، أحد أبرز الأطعمة المخمّرة في الثقافة الكورية، عنصرًا أساسيًا لما له من فوائد مثبتة في تعزيز صحّة البكتيريا المعويّة ودعم التوازن الأيضي. وفي الممارسات التقليدية، لا يُنظر إلى الطعام كمصدر للطاقة فحسب، بل يُعدّ خط الدفاع الأوّل في الحفاظ على التوازن الداخلي للجسم.
وفي المركز الطبي الكوري، يحرص الأطباء على تمكين المرضى من تبنّي أنماط غذائية مستدامة ومتكاملة، تستجيب لاحتياجاتهم الصحّية الفردية. ولا تقوم هذه التوصيات على مبدأ الحرمان أو التقييد، بل على التغذية الوظيفية التي تدعم العمليات الحيوية للجسم وتُسهم في تعزيز الأداء الجسدي والشعور المتجدد بالحيوية والطاقة.
لا يُعدّ الجينسنغ مجرّد مكمّل غذائي شائع في كوريا فحسب، بل يُعتبر من الركائز العريقة في الطبّ الكوري التقليدي، وقد استُخدم لقرون لتعزيز مستويات الطاقة ودعم الجهاز المناعي وتحسين الوظائف الإدراكية. ويتميّز الجينسنغ الأحمر الكوري تحديدًا بتركيزٍ عالٍ من مركّبات الجينسينوسيدات التي تُعرف بخصائصها المضادّة للالتهاب والأكسدة.
في المركز الطبي الكوري، غالبًا ما يُوصى باستخدام الجينسنغ للأشخاص الذين يعانون الإجهاد المزمن أو الإرهاق المتواصل أو اضطرابات الجهاز المناعي. إذ تسهم خصائصه التكيّفية في تعزيز قدرة الجسم على التكيّف مع الضغوط الجسدية والنفسية، ممّا يساعد على استعادة الحيوية ورفع مستويات التحمّل والمقاومة.
وقد أظهرت دراسات علمية أنّ الجينسنغ الأحمر الكوري يحسّن الذاكرة والتركيز ويساعد أيضًا في تعزيز نضارة البشرة. وعند دمجه ضمن خطة علاجية شاملة، يتحوّل إلى عنصر فعّال في استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى استعادة التوازن الطبيعي للجسم وتعزيز طاقته الحيوية.
في كوريا، تحظى صحة الفم والأسنان بالأهمية نفسها التي تُولى للصحة الجسدية. ومن بين أبرز الممارسات السائدة، تبرز قاعدة 3-3-3 التي أصبحت معيارًا ثقافيًا لصحة الفم وتشجّع على تنظيف الأسنان ثلاث مرّات يوميًا خلال ثلاث دقائق من تناول الطعام ولمدّة ثلاث دقائق في كل مرّة.
ويعكس مركز طب الأسنان في المركز الطبي الكوري هذا المستوى من الالتزام في قطر، من خلال توفير خدمات متقدّمة في طب الأسنان التجميلي والعلاجات الوظيفية في آنٍ معًا. ويرتكز النهج المعتمد على الوقاية والتثقيف الصحّي كأولوية، بدلاً من الاكتفاء بمعالجة الحالات المرضية بعد الإصابة بها.
لا تسهم صحة الفم الجيّدة في الحفاظ على رائحة نفس منعشة وأسنان نظيفة فحسب، بل تؤدي دورًا أساسيًا في الوقاية من مشاكل صحّية جهازية، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والحالات المرتبطة بالالتهابات. وكما هو حال باقي أعضاء الجسم، تُعتبر صحة الفم جزءًا لا يتجزّأ من الصحة العامة ولها أثر بالغ الأهمية على رفاهية المريض وجودة حياته.
إنّ التعافي في الطب الكوري لا يبدأ بالضغط على الجسد، بل بدعمه وتمكينه. ففي المركز الطبي الكوري، يتم تذكير المرضى دائمًا بأنّ أجسادهم تحمل في داخلها مفاتيح التوازن وأنّ دور الرعاية لا يكمن في فرض مسارات جديدة، بل في تهيئة الطريق أمام قدرات الجسد الفطرية ليستعيد عافيته بذاته.
تشدّد الدكتورة كاثي لي على أنّ هذا المفهوم يُجسّد جوهر الرؤية العلاجية في المركز الطبي الكوري، وتقول: "في نهجنا، تُعدّ الصحة رحلة مستدامة قوامها التوازن والوقاية والعيش بمسؤولية". وتضيف قائلةً: "غايتنا ليست علاج الاضطرابات داخل الجسم، بل دعم وظائفه السليمة."
وتتجلّى هذه القناعة في أدقّ تفاصيل الرعاية في المركز الطبي الكوري، بدءًا من تصميم المساحات العلاجية، وصولاً إلى بنية كلّ خطة علاجية. فالهدف هو توفير تجربة تعزّز صفاء الذهن وقوة الجسد والسلام الداخلي.
ولا تعد فلسفة الطب الكوري بحياة خالية من التحدّيات، بل بما هو أعمق وأكثر واقعية، فهي دعوة إلى العيش بوعي أكبر واتصال أعمق وثقة راسخة بالحكمة الفطرية للجسد.
وبمناسبة اليوم العالمي للصحة، يوجّه المركز الطبّي الكوري رسالة لكلّ شخص وهي أنّ الصحة الجيّدة ليس سباقًا يخوضه المرء، بل وتيرة متناغمة تزداد قوّة حين يصغي الشخص لجسده من دون أن يجهده. فبحسب فلسفة الطب الكوري، لا تُختزل العافية في بلوغ الكمال، بل تُمارَس كرحلة واعية يعيشها كل فرد يومًا بعد يوم، بتواصل صادق مع ذاته.